قال أبو جعفرٍ: والذى هو أقربُ عندى في ذلك إلى الصوابِ وأشْبَهُ بظاهرِ الكتابِ، أن يكونَ رفَع ﴿حِطَّةٌ﴾ بنيةِ خبرٍ محذوفٍ قد دلَّ عليه ظاهرُ التِّلاوةِ، وهو: دخولُنا البابَ سجدًا حطةٌ. فكفَى مِن تَكريرِه بهذا اللفظِ ما دل عليه الظاهرُ مِن التنزيلِ، وهو قولُه (١): ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾. كما قال جلَّ ثناؤُه:(وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةٌ (٢) إِلَى رَبِّكُمْ) [الأعراف: ١٦٤]. بمعنَى: مَوْعِظتُنا إياهم مَعْذِرةٌ إلى ربِّكما. فكذلك عندى تأويلُ قولِه: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾. يعنى بذلك: وإذ قلْنا: ادْخُلُوا هذه القريَةَ وادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا، وقولوا: دخولُنا ذلك سُجَّدًا حِطّةٌ لذنوبِنا. وهذا القولُ على نحوِ تأويلِ الربيعِ بنِ أنسٍ وابنِ [جُرَيْجٍ وابنِ](٣) زيدٍ، الذى ذكَرْناه آنِفًا.
وأما على تأويلِ قولِ عكرمةَ، فإن الواجب أن تكونَ القراءةُ بالنصبِ في: ﴿حِطَّةٌ﴾؛ لأن القومَ إن كانوا أُمِروا أن يقولوا: لا إلهَ إلا اللهُ. أو أن يقولوا: نَسْتَغْفِرُ اللهَ. فقد قيل لهم: قولوا هذا القولَ. فـ"قولوا" حينَئذٍ واقعٌ على الحِطَّةِ؛ لأن الحِطَّةَ على قولِ عكرمةَ هى قولُ: لا إلهَ إلا اللهُ. وإذا (٤) كانت هى قولَ: لا إلهَ إلا اللهُ. فالقولُ عليها واقعٌ، كما لو أمَر رجلٌ رجلًا بقولِ الخيرِ، لقال (٥) له: قل خيرًا. نصبًا، ولم يكنْ صوابًا أن يقولَ له: قل خيرٌ. إلا على اسْتِكْراهٍ شَديدٍ.
(١) في الأصل: "قولوا". (٢) سيأتى تعليق المصنف على قراءة الرفع في سورة الأعراف. (٣) سقط من: ص. (٤) في ر، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "إذ". (٥) في م، ت ٢: "فقال".