سحرٌ. أسحرٌ هذا الحقُّ الذي تَرَونه؟! فيكونُ السحرُ الأولُ محذوفًا اكْتفاءً بدلالةِ قولِ موسى لهم: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾، على أنه مرادٌ في الكلامِ، كما قال ذو الرُّمَّةِ (١):
فلمَّا لَبِسْنَ الليلَ أو حينَ نصَّبَتْ … له مِن خَذَا آذَانِها وَهُو جانِحُ
يريدُ: أو حينَ أقبلَ، ثم حُذِفَ اكتفاءً بدَلالةِ الكلامِ عليه، وكما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]، والمعنى: بَعْثناهم ليسُوؤوا وجوهَكم، فترك ذلك اكتفاءً بدَلالةِ الكلامِ عليه، في أشباهٍ لمِا ذكرْنا كثيرةٍ، يُتعِبُ إحصَاؤُها.
وقولُه: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾. يقولُ: ولا يَنجحُ الساحرون ولا يَبقَوْن.
يقولُ تعالى ذكرُه: قال فرعونُ وملؤُه لموسى: ﴿أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا﴾. يقولُ: لتَصْرِفَنا وتَلويَنا عمَّا وجَدْنا عليه آباءَنا، مِن قبلِ مجيئِك، من الدينِ.
يقالُ منه: لَفَتَ فلانٌ عُنُقَ فلانٍ. إذا لَوَاها، كما قال رُؤبَةُ (٢):
* لَفتًا وتهزِيعًا سَوَاءَ اللَّفتِ*
التَّهزيعُ: الدَّقُّ، واللَّفْتُ: اللى.
كما حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: ﴿لِتَلْفِتَنَا﴾. قال: لتَلويَنا عمَّا وَجَدنا عليه آباءَنا (٣).
(١) تقدم في ١/ ٣٤٤. (٢) صدر بيت، وعجزه: وطامح النخوة مستكِتِّ، الديوان ص ٢٤. (٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٩٧٣ من طريق محمد بن عبد الأعلى به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣١٤ إلى ابن المنذر وعبد الرزاق.