ما يَنْبغى له أن يَتَخرَّصَه أحدٌ مِن عندِ غيرِ اللَّهِ. وذلك نظير قوله:(وما كان لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ)(١)، بمعنى: ما ينبَغِي لنبي أَن يَغُلَّه أصحابُه.
وإنما هذا خبرٌ من اللهِ جلَّ ثناؤه أن هذا القرآنَ مِن عنده، أنزله إلى محمد عبده، وتكذيبٌ منه للمشركين الذين قالوا: هو شعرٌ وكَهانةٌ. والذين قالوا: إنما يتعلَّمُه محمدٌ مِن يُحنَّسَ (٢) الروميِّ.
يقولُ لهم جلّ ثناؤه: ما كان هذا القرآنُ ليختلِقَه أحدٌ مِن عندِ غيرِ اللَّهِ؛ لأن ذلك لا يقدر عليه أحدٌ من الخلق، ﴿وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾. يقول تعالى ذكرُه: ولكنه من عندِ اللَّهِ أَنزَله مُصدِّقا لما بين يديه. أي: لِما قبلَه من الكتبِ التي أُنزِلت على أنبياءِ اللَّهِ؛ كالتوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، ﴿وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ﴾. يقولُ: وتبيان الكتاب الذى كتبه الله على أمة محمد ﷺ(٣)، وفرائضه التى فَرَضَها عليهم في السابق من علمِه، ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾. يقول: لا شكَّ فيه أنه تصديقُ الذى بينَ يديه من الكتابِ، وتفصيلُ الكتابِ مِن عندِ ربِّ العالمين، لا افتراءٌ مِن عندِ غيرِه ولا اختلاقٌ.
يقول تعالى ذكرُه: أم يقول هؤلاء المشركون: افترى محمد هذا القرآن من نفسه، فاختَلَقَه وافتَعَلَه؟ قل يا محمد لهم: إن كان كما تقولون: إنى اختلقته وافتريتُه، فإنكم مثلى من العرب، ولسانى مثلُ لسانكم وكلامى، فجِيئوا بسورة
(١) هذه قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي، وتقدم ذكرها في ٦/ ١٩٨. (٢) في م: "يعين". وينظر الإصابة ٦/ ٦٩٦. (٣) بعده في م: "وآله".