والقراءةُ التي لا أختارُ غيرَها هي فتحُها؛ لإجماعِ الحُجَّةِ مِن القرأةِ عليها، وأن العربَ إذا أدخَلَت الباءَ في مفعولِ "ذَهَبتُ" لم يقولوا إلا: ذَهَبتُ به. دونَ: أَذهَبْتُ به. وإذا أدخَلوا الألفَ في "أذهبتُ" لم يَكادوا أن يُدْخِلوا الباءَ في مفعولِه، فيقولون: أَذْهَبْتُه، وذَهَبتُ به.
وقولُه: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾. يقولُ: يُعَقَّبُ اللهُ بينَ الليلِ والنهارِ ويُصَرِّفُهما، إذا أذهَب هذا جاء بهذا (١)، [وإذا أذهَب هذا جاء بهذا](٢)، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾. يقولُ: إن في إنشاءِ اللهِ السحابَ، وإنزالهِ منه الوَدْقَ، ومِن السماءِ البَرَدَ، وفى تَقْلِيبِه الليلَ والنهارَ - لَعبرةً لمن اعْتَبَرَ به، وعِظَةً لمن اتَّعظَ به، مِمَّن له فَهْمٌ وعقلٌ؛ لأن ذلك يُنْبِيُّ ويدُلُّ على أن له مُدَبِّرًا ومُصَرِّفًا ومُقَلِّبًا لا يُشْبِهُه شيءٌ.
اختَلفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾؛ فَقَرَأَتُه عامةُ قرأةِ الكوفةِ غيرَ عاصمٍ:(واللهُ خالِقُ كُلِّ دابَّةٍ)(٣). وقرأَتْه عامةُ قرأةِ المدينةِ والبصرةِ وعاصمٌ: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ﴾ بِنَصْبِ ﴿كُلَّ﴾، و ﴿خَلَقَ﴾ (٤) على مثالِ "فَعَل". وهما قراءتان مشهورتان مُتقارِبتا المعنى، وذلك أن الإضافةَ في قراءةِ مَن قَرأ
(١) في م: "هذا". (٢) سقط من: ت ٢. (٣) وهي قراءة حمزة والكسائي. حجة القراءات ص ٥٠٢. (٤) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وأبي عمرو. ينظر المصدر السابق.