اخْتَلَفَتِ القَرَأةُ في ذلكَ؛ فقرأه بعضهم: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ﴾ بالتاءِ، على وجهِ الخطابِ للذين كفَروا بأنهم سيُغْلَبون (١). واحتجُّوا لاختيارِهم قراءةَ ذلك بالتَّاءِ بقولِه: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ﴾. قالوا: ففِى ذلك دليلٌ على أن قولَه: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾. كذلك خطابٌ لهم، وذلك هو قراءةُ عامَّةِ قرأَةِ الحجازِ والبصرةِ وبعضِ الكوفييِّنَ. وقد يَجوزُ لَمن كانت نيَّتُه في هذه الآيةِ أن المَوْعُودينَ بأن يُغلَبُوا هم الذين أُمِر النبيُّ ﷺ بأن يقولَ ذلك لهم، أن يَقْرَأَه بالتاءِ واليَّاءِ؛ لأن الخِطابَ بالوَحْى حينَ نزَل لغيرِهم، فيَكونُ نظيرَ قولِ القائلِ في الكلامِ: قلتُ للقومِ: إنكم مَغْلُوبون. وقلتُ لهم: إنهم مغلُوبون.
وقد ذُكِر أنّ في قراءةِ عبدِ اللَّهِ:(قُلْ للذين كفَروا إِن تَنْتَهُوا يُغْفَرْ لكم)(٢). وهى في قراءتِنا: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٨].
وقرأَتْ ذلكَ جماعةٌ مِن قرأةٍ أهلِ الكوفةِ:(سَيُغْلَبون ويُحشَرون). على معْنى: قُلْ لليهودِ: سيُغْلَبُ مُشرِكو العربِ، ويُحْشَرون إلى جهنمَ. ومَن قرَأ ذلك كذلك على هذا التأويلِ، لمْ يَجُزْ في قراءَتِه غيرُ الياءِ.
والذي نَخْتارُ مِن القِراءةِ في ذلك قراءةُ مَن قرَأَه بالتَّاءِ، بمعنى: قلْ يا محمدُ للذين كفَروا مِن يهودِ بنى إسرائيلَ، الذين يَتَّبِعون ما تَشابَه مِن آى الكتابِ الذي أنْزَلْتُه إليك ابْتِغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِه: ﴿سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
(١) هي قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وعاصم وابن عامر، وقرأ حمزة والكسائى بالياء، وسيأتي. السبعة لابن مجاهد ص ٢٠٣. (٢) ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ١٩٢.