تُرَابًا﴾ [النبأ: ٤٠]. فأخْبَر اللهُ عنهم، أنهم يَتَمَنَّوْن (١) أن يَكونوا (٢) كانوا ترابًا، ولم يُخْبِرْ عنهم أنهم قالوا: يا ليتنى كنتُ ترابًا. فكذلك قولُه:(لو تَسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ) فيُسَوَّوْا (٣) هم؛ وهى أعجبُ إليَّ ليوافقَ ذلك المعنى الذي [أخْبَر عنهم](٤) بقولِه: ﴿يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾.
وأمَّا قولُه: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثً﴾. فإن أهلَ التأويلِ تأوَّلوه بمعنى: ولا تَكْتُمُ الله جوارِحُهم حديثًا وإن جحَدَتْ (٥) أفواهُهم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا حكَّامٌ، قال: ثنا عَمرٌو، عن مُطَرِّفٍ، عن المِنهالِ ابن (٦) عَمرٍو، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: أتى رجلٌ إلى ابن عباسٍ، فقال: سمِعتُ الله يقولُ: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣]. وقال في آيةٍ أخرى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾. فقال ابن عباسٍ: أمَّا قولُه: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فإنهم لمَّا رَأَوْا أنه لا يَدْخُلُ الجنةَ إلا أهلُ الإسلامِ، قالوا: تعالَوْا فَلْنَجْحَدْ. فقالوا: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾. فختَم اللهُ على أفواهِهم، وتكلَّمت أيديهم وأرجلُهم، فلا يكتمونَ الله حديثًا (٧).
(١) في الأصل: "يشتهون". (٢) سقط من: م. (٣) في الأصل: "فتح التاء على معنى أنهم تمنوا أن يكونوا يصيرون ترابا كالأرض فتسوا". (٤) في الأصل: "أخبرهم". (٥) بعده في ص، م: "ذلك". (٦) في الأصل: "عن". (٧) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٥٧، ٤/ ١٢٧٤ (٥٣٤٨، ٧١٨٠)، والحاكم ٢/ ٣٠٦ من طريق عمرو به، وأخرجه البخارى ٨/ ٥٥٥، ٥٥٦ (فتح)، والطبراني في الكبير ١٠/ ٣٠٠ (١٠٥٩٤)، والبيهقى في الأسماء والصفات ٢/ ٢٤٥ (٨٠٩) من طريق المنهال بن عمرو به مطولا، وذكره ابن كثير في تفسيره =