﴿وَلِيُوفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾، يقولُ جل ثناؤه: وليعطيَ جميعَهم أجور أعمالهم التي عملوها في الدنيا؛ المحسنَ منهم بإحسانِه، ما وعد اللَّهُ مِن الكرامة، والمسيءَ منهم بإساءته، ما أعدَّه مِن الجزاء، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾، يقولُ: وجميعهم لا يُظْلَمون؛ لا يُجازَى المسئُ منهم إلا عقوبةً على ذنبه، لا على ما لم يعمل، ولا يُحمَلُ عليه ذنب غيرِه، ولا يُبْخَسُ المحسنُ منهم ثوابَ إحسانِه.
يقول تعالى ذكره: ويومَ يُعْرَضُ الذين كَفَروا بالله على النارِ، يقال لهم: أذهبتم طيباتِكم في حياتكم الدنيا واستَمْتعتم بها فيها؟!
كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ﴾، قَرأ يزيدُ حتى بلغ: ﴿وَمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾: تعلَمون والله إن أقوامًا يشترطون (١) حسناتهم! فاستَبْقَى رجلٌ طيباتِه إن استطاعَ، ولا قوةَ إلا بالله، ذكر أن عمر بن الخطابِ كان يقولُ: لو شئتُ كنتُ أطيبكم طعامًا وألينكم لباسًا، ولكنى أسْتَبْقى طَيَّباتي، وذكر لنا أنه لمَّا قدم الشامَ، صُنع له طعام لم يَرَ قبله مثلَه، قال: هذا لنا! فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبَعون مِن خبزِ الشعير؟ قال خالد بن الوليدِ: لهم الجنة، فاغْرَوْرَقت عينا عمرَ، وقال: لئن كان حَظُّنا في الحُطامِ، وذهَبوا - قال أبو جعفرٍ: فيما أرَى أنا - بالجنةِ، لقد بايَنونا بَوْنًا بعيدًا (٢).
(١) سَرَطه واسترطه: بَلَعه، التاج (س ر ط). (٢) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢١٧ عن معمر، عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤٢ إلى عبد بن حميد.