والوُسْعُ الفُعْلُ، مِن قولِ القائلِ: وسِعَني هذا الأمرُ، فهو يَسَعُني سَعَةً. ويقالُ: هذا الذي أعْطَيْتُك وُسْعي. أى: ما يَتَّسِعُ لي أن أُعْطِيَك فلا يَضِيقُ عليَّ إعطاؤكَه. و: أعْطَيْتُك مِن جُهْدي. إذا أعْطَيْتَه ما يُجْهِدُك، فيَضِيقُ عليك إعطاؤُه.
فمعنى قولِه: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا﴾. هو ما وصَفْتُ مِن أنها لا تُكَلَّفُ إلا ما يَتَّسِعُ لها بَذْلُ ما كُلِّفَت بَذْلَه، فلا يَضِيقُ عليها ولا يَجْهَدُها، لا ما ظنَّه جَهَلةُ أهلِ القدَرِ مِن أن معناه لا تُكَلَّفُ نفسٌ إلا ما قد أُعْطِيَت عليه القدرةَ مِن الطاعاتِ. لأن ذلك لو كان كما زعَمَت، لكان قولُه تعالى ذكرُه: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٨، الفرقان: ٩] - إذ كان دالًّا على أنهم غيرُ مُسْتَطِيعي السبيلِ إلى ما كُلِّفوه - واجبًا أن يَكونَ القومُ في حالٍ واحدةٍ قد أُعْطُوا الاسْتِطاعةَ على ما مُنِعوها عليه، وذلك مِن قائلِه، إن قاله، إحالةٌ في كلامِه، ودعْوَى باطلٍ لا يُخِيلُ بُطولُه. وإذ كان بيِّنًا فسادُ هذا القولِ، فمعلومٌ أن الذي أخْبَر تعالى ذكرُه أنه كلَّف النفوسَ مِن وُسْعِها غيرُ الذي أخْبَر أنه كلَّفَها مما لا تَسْتَطِيعُ إليه السبيلَ.