التنزيل ولا في خبر عن النبيِّ ﷺ أيُّ ذلك المرادُ بقولِه: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾. إذ كان الحشرُ في كلامِ العربِ الجمعَ، من ذلك قولُ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٩]. يعنى مجموعةً. فإذ كان الجمعُ هو الحشرَ، وكان الله تعالى ذكرُه جامعًا خلقَه إليه يومَ القيامةِ، وجامعَهم بالموتِ - كان أصوبُ القولِ في ذلك أن يُعَمَّ بمعنى الآية ما عمَّه الله بظاهرِها، وأن يقالَ: كلُّ دابةٍ وكلُّ طائرٍ محشورٌ إلى الله بعد الفَناءِ، وبعدَ بَعْثِ القيامة. إذ كان الله تعالى ذكره قد عمَّ بقوله: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ ولم يَخْصُصْ به حشْرًا دونَ حشْرٍ.
فإن قال قائلٌ: فما وجهُ قولِه: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾؟ وهل يَطيرُ الطائرُ إلا بجَناحيه؟ فما في الخبرِ عن طيرانِه بالجناحين من الفائدةِ؟
قيل: قد قدَّمنا القول فيما مضَى أن الله تعالى ذكره أنْزَل هذا الكتابَ بلسانِ قومٍ، وبلُغاتِهم وما يَتَعارَفونه (١) بينهم ويَسْتَعْمِلونه في مَنْطِقِهم خاطَبَهم، فإذ كان مِن كلامهم إذا أرادوا المبالغةَ في الكلامِ، أن يقولوا: كلَّمْتُ فلانا بفَمِي، ومشَيْتُ إليه برجلِي، وضرَبْتُه بيدِى. خاطَبَهم تعالى ذكرُه بنظيرِ ما يَتَعارفونه في كلامِهم، ويَسْتَعْمِلونه في خطابِهم، ومن ذلك قولُه تعالى ذكرُه:(إِنَّ هَذَا أَخى له تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أنثى (٢)).