فما (١) تَزْدَرِى (٢) مِن حَيَّةٍ جَبَلِيَّةٍ … سُكاتٍ (٣) إذا ما عَضَّ ليس بأَدْرَدَا (٤)
فأَنَّثَ الجَبَلِيَّة لتأْنيثِ لفظِ الحَيَّة، ثم رجَع إلى المعنى فقال: إذا ما عَضُ؛ لأنه كان أراد حَيَّةً ذَكَرًا. وإنما يجوزُ هذا فيما لم يقع عليه:"فلانٌ" من الأسماءِ، كالدَّابةِ والذُّرِّيةِ والخَليفةِ، فأما إذا سُمِّي رجلٌ بشيءٍ من ذلك، فكان في معنى "فلان" لم يَجُزْ تأنيثُ فعله ولا نَعْتِه.
وأما قولُه: ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾. فإن معناه: إنك سامعٌ الدعاءَ. غيرَ أن ﴿سَمِيعُ﴾ أمْدَحُ، وهو بمعنى: ذو سَمْعٍ له.
وقد زعَم بعضُ نحويِّى البصرة أن معناه: إنك تَسْمَعُ مَا تُدْعَى به.
فتأويلُ الآية: فعند ذلك دعا زكريا رَبَّه فقال: ربِّ هَبْ لى من عندِك ولدًا مبارَكًا، إنك ذو سمعٍ دُعاءَ مَن دَعاك.
القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾.
اختَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قَرَأةِ أهلِ المدينةِ، وبعضُ أهل الكوفة والبصرةِ: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ على التأنيثِ بالتاءِ (٥)، يرادُ بها جمعُ (٦) الملائكةِ. وكذلك تَفعَلُ العرب في جماعةِ الذُّكور إذا تَقَدَّمَت أَفعالها، أَنَّثَت أفعالها، ولا سيما الأسماءُ التي في ألفاظِها التأنيثُ، كقولهم: جاءَت الطَّلْحاتُ.
(١) في النسخ: "كما". والمثبت من مصدرى التخريج. (٢) في م، ت ١، س: "يزدري". (٣) في م: "سكاب"، وفى س: "سكان". وحية سكات وسَكُوت: إذا لم يشعر به الملسوع حتى يلسعه. اللسان (س ك ت). (٤) الأدرد: الذي ليس في فمه سنٌّ. واللسان (درد). (٥) وهى قراءة ابن كثير ونافع وعاصم وأبي عمرو وابن عامر. السبعة لابن مجاهد ٢٠٥. (٦) في ص، س: "جميع".