فرضُ ذلك حينئذٍ عن باقي المسلمين، كالصلاةِ على الجنائزِ، ودفنِ الموتى، وغسلِهم.
وهذا قولُ عامةِ علماءِ المسلمين. وذلك هو الصوابُ عندَنا؛ لإجماعِ الحُجَّةِ على ذلك، ولقولِه جلّ ثناؤُه: ﴿فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى﴾ [النساء: ٩٥]. فأخْبَر جلَّ ثناؤُه أن الفضلَ للمُجاهِدِين، وأن لهم وللقاعِدِين الحُسْنَى، ولو كان القاعدون مُضَيِّعين فرضًا، لَكان لهم السُّوأَى لا (١) الحُسْنَى.
وقال آخَرون: هو فرضٌ واجبٌ على المسلمين إلى قيامِ الساعةِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا حُبَيْشُ (٢) بنُ مُبشِّرٍ (٣)، قال: ثنا رَوْحُ بنُ عُبادةَ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن داودَ بنِ أبي عاصمٍ، قال: قلتُ لسعيدِ بنِ المسيبِ: قد أعْلَمُ أن الغَزْوَ واجبٌ على الناسِ. فسكَت، وقد أعْلَمُ أن لو أنكَر ما قلتُ لبيَّن لى.
وقد بيَّنَّا فيما مضَى معنى قولِه: ﴿كُتِبَ﴾ بما فيه الكِفايةُ (٤).
القولُ في تأويلِ قولِه عز ذكرُه: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾.
يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وهو ذو كُرْهٍ لكم. فترَك ذكرَ "ذو" اكْتِفاءً بدلالةِ
(١) إلى هنا ينتهى الجزء الخامس من مخطوط جامعة القرويين والتى أشير إليها بالأصل، وسيجد القارئ أرقام المخطوط ت ١ بين معقوفين. (٢) في النسخ: "حسين". والمثبت من تاريخ بغداد ٨/ ٢٧٢. وينظر تهذيب الكمال ٥/ ٤١٥. (٣) في م: "ميسر". (٤) ينظر ما تقدم في ص ١٠٢، ١٠٣.