يَعْنِى جل ثناؤُه بقولِه: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾ أي: وما وراء الكتابِ الذى أُنْزِل عليهم، من الكتب التى أنزلها اللهُ إلى أنبيائِه، الحقُّ. وإنما يَعْنى بذلك تعالى ذكرُه القرآنَ الذى أنزَلَه إلى محمدٍ ﷺ.
كما حدثنى موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السدىِّ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾: وهو القرآنُ، يقولُ اللهُ جل ثناؤُه: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾ (١).
وإنما قال تعالى ذكرُه: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾. لأنَّ كتبَ اللهِ يُصَدِّق بعضُها بعضًا، ففى الإنجيلِ والقرآنِ من الأمرِ باتباعِ محمدٍ ﷺ، والإيمانِ به وبما جاء به، مثلُ الذى من ذلك في توراةِ موسى ﵇، فلذلك قال جل ثناؤُه لليهودِ -إذ أخْبرَهم عما وراءَ كتابِهم الذى أنزَلَه على موسى، من الكتبِ التى أنزَلَها إلى أنبيائِه- أنه الحَقُّ مُصدِّقًا للكتابِ الذى معهم. يَعْنى أنه له مُوافِقٌ فيما اليهودُ به مُكَذِّبون (٢). وذلك خَبَرٌ من اللهِ جل ثناؤُه أنهم من التَّكْذِيبِ بالتوراةِ على مثلِ الذى هم عليه من التكذيبِ بالإنجيلِ والفرقانِ، عنادًا للهِ، وخلافًا لأمرِه، وبَغْيًا على رسلِه صلواتُ اللهِ عليهم.