فإن قال قائلٌ: فما موضعُ "هذا"؟ قيل: رفعٌ. فإن قال: فأين مُرافِعُه (١)؟ قيل: مُضْمَرٌ. وكأنه قال: قال اللهُ ﷿: هذا (٢)، هذا يوم ينفعُ الصادقين صدقهم. كما قال الشاعرُ:
أمَّا تَرَى السَّحابَ كيف يَجْرِى
هذا ولا خَيْلُك يابن بِشْرِ
يريدُ: هذا، هذا ولا خيلُك.
فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا لما بيَّنا: قال اللهُ لعيسى: هذا القولُ النافع في يومِ يَنْفَعُ الصادقين في الدنيا، صِدْقُهم ذلك في الآخرة عندَ اللهِ.
﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. يقولُ: للصادقين في الدنيا جناتٌ تجرى من تحتها الأنهارُ في الآخرة؛ ثوابًا لهم من الله ﷿ على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه، فوفَّوا به للهِ، فوفَّى اللهُ ﷿ لهم ما وعدهم من ثوابِه، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾. يقولُ: باقين في الجنات التي أعطاهموها، أبدًا دائمًا، لهم فيها نعيمٌ لا يَنْتَقِلُ عنهم ولا يَزولُ.
وقد بيَّنا فيما مضى أن معنى الخلودِ الدوام والبقاء (٣).
القول في تأويل قوله: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩)﴾.
يقول تعالى ذكره: رضى الله عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه، من العمل بطاعته واجتناب معاصيه، ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾. يقولُ: ورضُوا هم
(١) في م: "رافعه". (٢) سقط من: م، س. (٣) ينظر ما تقدم في ١/ ٤٢٢، ٥٩٢، ٢/ ١٨٦، ١٨٧.