حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدى: ﴿قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ﴾. قال: النبوة (١).
وقد بينت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده، وذكرتُ اختلاف المختلفين في تأويله، فأغنَى ذلك عن إعادته في هذا الموضع (٢).
وقوله: ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فيه﴾. يقولُ: ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعضَ الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾. قال: من تبديل التوراة (٣).
وقد قيل: إن معنى "البعض" في هذا الموضع بمعنى الكُلِّ، وجعلوا ذلك نظير قول لبيد (٤):
تراك أمكنة إذا لم أرْضَها … أو يَعْتَلِق بعض النُّفُوسِ حِمامُها
قالوا: الموتُ لا يعتلقُ بعض النفوس، وإنما المعنى: أو يعتلق (٥) النفوس حمامها. وليس لما قال هذا القائلُ كبيرُ معنى؛ لأن عيسى إنما قال لهم: ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾؛ لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب
(١) ذكره القرطبي في تفسيره ١٦/ ١٠٨. (٢) ينظر ما تقدم في ٢/ ٥٧٥ - ٥٧٧. (٣) تفسير مجاهد ص ٥٩٥. (٤) شرح ديوانه ص ٣١٣. (٥) في ت ٢ ت ٣: "تعالق".