وقد رُوِى عن ابن عباسٍ في ذلك قولٌ ثالثٌ، وهو ما حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾. إلى قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾. قال: كان يَنْطَلِقُ مِن كلِّ حيٍّ من العرب عصابةٌ فيَأْتون النبيَّ ﷺ فيَسْألونه عما يريدُونه من دينِهم، ويَتَفَقَّهُون في دينِهم، ويقولون لنبيِّ اللهِ: ما تأمُرُنا أن نفعلَه، وأخبِرْنا ما نقولُ لعشائرِنا إذا انْطَلَقْنا إليهم؟ قال: فيأمُرُهم نبيُّ الله بطاعة الله وطاعة رسوله، ويَبْعَثُهم إلى قومِهم بالصلاة والزكاة، وكانوا إذا أتَوا قومَهم نادَوا: إن مَن أسلمَ فهو مِنَّا. ويُنْذِرُونهم، حتى إن الرجلَ ليُفارِقُ (٢) أباه وأمَّه، وكان رسولُ اللهِ ﷺ يخبرُهم ويُنْذِرون قومَهم، فإذا رَجَعوا إليهم يَدْعونهم إلى الإسلام، ويُنْذِرونهم النار ويُبَشِّرونهم بالجنة (٣).
وقال آخرون: إنما هذا تَكْذيبٌ من الله لمُنافقين أَزْرَوْا بأعراب المسلمين وعزَرُوهم (٤) في تَخلُّفِهم خلافَ رسول الله ﷺ، وهم ممن قد عذَره الله بالتَّخلُّف.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ بنُ عُيَينة، عن سليمانَ الأحولِ، عن عكرمةَ، قال: لمَّا نزَلت هذه الآيةُ: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٩١٣ من طريق أبي صالح به. (٢) في النسخ: "ليعرف"، والمثبت من ابن أبي حاتم. (٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٩١١، ١٩١٢ عن محمد بن سعد به. (٤) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "غيرهم". وعزَره يعزِره: لامه.