والأولُ مِن القولَيْن أولَى بالتأويلِ؛ لأنه وصْفُ ما كان القومُ فيه مِن هَنِئَ العيشِ الذى أعْطاهم، فوصْفُ ذلك بالطَّيِّب الذى هو بمعنى اللَّذَّةِ أحْرَى مِن وصفِه بأنه حلالٌ مُباحٌ.
و ﴿مَا﴾ التى (١) مع: ﴿رَزَقْنَاكُمْ﴾ بمعنى الذى، كأنه قال (٢): كلوا مِن طيباتِ الرزقِ الذى رزَقْناكموه.
وهذا أيضًا مِن الذى اسْتُغْنى بدَلالةِ ظاهرِه على ما تُرِك منه، وذلك أن معنى الكلامِ: كلوا مِن طيباتِ ما رزَقْناكم، فخالَفوا ما أمَرْناهم به، وعصَوا ربَّهم، ثم رسولَنا إليهم، وما ظلَمونا. فاكْتُفِى بما أُظهِر عما تُرِك.
وقولُه: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾. يقولُ: وما ظلَمونا بفعلِهم ذلك ومعصيتِهم، ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
ويعنى بقولِه: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾. وما وضَعوا فعلَهم ذلك وعِصْيانَهم إيانا موضعَ مَضَرَّةٍ علينا، ومَنْقَصةٍ لنا، [ولكنهم وضَعوه مِن أنفسِهم موضعَ مَضَرَّةٍ عليها ومَنْقَصةٍ لها](٣).
(١) في الأصل: "الذى". (٢) في ص، م: "قيل". (٣) سقط من: الأصل.