يعنى جلَّ ثناؤُه بقوله: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾: فلما وَضَعَتْ حَنَّةُ النَّذِيرةَ. ولذلك أنَّثَ، ولو كانت الهاءُ عائدةً على ﴿مَا﴾، التي في قوله: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾. لكان الكلامُ: فلما وَضَعتْه قالت: ربِّ إنى وَضَعتُه أُنثَى.
واخْتَلَف القَرأَةُ في قراءة ذلك؛ فقَرأَتْه عامةُ القَرأَةِ: ﴿وَضَعَتْ﴾ (١). خبرًا من الله ﷿ عن نفسِه أنه العالمُ بما وَضَعَتْ، مِن غير قبلها: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾.
وقرأ ذلك بعضُ المُتقدِّمين:(والله أعلمُ بما وضَعْتُ)(٢). على وجه الخبر بذلك عن أمِّ مريمَ أنها هي القائلةُ: والله أعلمُ بما ولدتُ، منى.
وأولى القراءتين بالصواب ما نَقَلَتْه الحُجةُ مُسْتَفِيضَةً فيها قراءتُه بينَها، لا يَتَدافعون صحتَها، وذلك قراءةُ من قرأ: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾. ولا يُعْتَرَضُ بالشاذِّ عنها عليها (٣).
فتأويلُ الكلام إذن: والله أعلمُ من كلِّ خَلْقِه بما وَضَعتُ. ثم رجَع جلَّ ذكْرُه إلى الخبر عن قولِها، وأنها قالت - اعتذارًا إلى ربِّها مما كانت نَذَرت
(١) وهى قراءة نافع وابن كثير وحفص عن عاصم وأبى عمرو وحمزة والكسائي. ينظر حجة القراءات ص ١٦٠. (٢) وهى قراءة أبي بكر عن عاصم، وابن عامر. المصدر السابق. (٣) القراءتان متواترتان، لا شذوذ في إحداهما.