وكان بعضُ نحويِّى أهلِ البصرةِ يقولُ (١): نُصِبت ﴿كَلِمَةً﴾؛ لأنها في معنَى: أكْبِرْ بها كلمةً. كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩]. وقال: هي في النَّصبِ مثلُ قولِ الشاعرِ (٢):
ولقد عَلِمتِ إذا اللقاحُ تروَّحتْ … هَدَجَ الرِّئالِ تكبُّهنَّ شَمالا
أي: تَكُبُّهنَّ الرياحُ شمالًا. فكأنَّه قال: كبُرَت تلك الكلمةُ.
وذُكِر عن بعضِ المكِّيِّين أنه كان يقرَأُ ذلك:(كَبُرَتْ كَلِمَةٌ). رفعًا (٣). كما يُقالُ: عَظُم قولُك، وكَبُر شأنُك. وإذا قُرِئَ ذلك كذلك لم يكنْ في قولِه:(كَبُرَتْ كَلِمَةٌ). مُضمرٌ، وكان صفةً للكلمةِ.
والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندى قراءةُ مَن قرَأه: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾. نصبًا؛ لإجماعِ الحُجَّةِ القرَأةِ عليها. فتأويلُ الكلامِ: عَظُمت الكلمةُ كلمةً تخرُجُ من أفْواهِ هؤلاء القومِ الذين قالوا: اتَّخَذَ اللهُ ولدًا، والملائكةُ بناتُ اللهِ.
كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾: قولُهم: إن الملائكةَ بناتُ اللهِ (٤).
وقولُه: ﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾. يقولُ عزَّ ذكرُه: ما يقولُ هؤلاء القائِلون: اتَّخَذ اللهُ ولدًا. بقيلِهم ذلك إلا كذبًا وفريةً افتَرَوْها على اللهِ.
(١) هو أبو عبيدة، كما ذكر أبو حيان في البحر المحيط ٦/ ٩٧. (٢) تقدم تخريجه في ١٤/ ٦٧٠. (٣) القراءة شاذة، وقرأ بها يحيى بن يعمر والحسن وابن محيصن وابن أبي إسحاق والثقفي والأعرج، بخلاف عنه، وعمرو ابن عبيد. المحتسب لابن جنى ٢/ ٢٤. وهى أيضًا قراءة مجاهد. تفسير القرطبي ١٠/ ٣٥٣. (٤) سيرة ابن هشام ١/ ٣٠٢.