وذُكر أنه لمّا أراد أن يَخْلُقَ الطيرَ من الطينِ سألهم: أيُّ الطيرِ أشدُ خلقًا؟ فقيل له: الخُفّاشُ.
كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجّاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قوله: ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا﴾. قال: أيُّ الطيرِ أَشدُّ خلقًا؟ قالوا: الخُفاشُ، إنما هو لحمٌ. قال: ففعَل (١).
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ﴾ وقد قيل: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْر﴾؟
قيل: لأن معنى الكلام: فأَنْفُخُ في الطيرِ. ولو كان ذلك: فأَنْفُخُ فيها. كان صحيحًا جائزًا، كما قال في المائدةِ: ﴿فَتَنْفُخُ فِيهَا﴾ [المائدة: ١١٠]. يريدُ: فتَنْفُخُ في الهيئةِ.
وقد ذُكِر أن ذلك في إحدى القراءتين:(فأنْفُخُها) بغير "في"(٢). وقد تَفْعَلُ العربُ مثلَ ذلك، فتقولُ: رُبَّ ليلةٍ قد بتُّها، وبتُّ فيها. قال الشاعرُ (٣):
ما شُقَّ جَيْبٌ ولا قامَتْكَ نائحةٌ … ولا بكَتْكَ جِيادٌ عندَ أَسْلابِ
بمعَنى: ولا قامت عليك. وكما قال آخَرُ:
إحدَى بَنِي عَيِّذِ اللهِ (٤) اسْتَمَرَّ بها … حُلْوُ العُصارةِ حتى يُنْفَخَ الصُّوَرُ
القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ﴾.
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٢ إلى المصنف. (٢) ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٢١٤. وقال أبو حيان في البحر المحيط ٢/ ٤٦٦: هي قراءة شاذة نقلها الفراء. (٣) ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٢١٤، والأغانى ١٨/ ٢٨٧. (٤) بنو عيِّذ الله: حى من اليمن. تاج العروس (ع و ذ). (٥) زيادة يستقيم بها السياق.