اختلف أهل العلم بكلام العرب في مُرافِعِ (١)"المثَلِ"؛ فقال بعضُ نحويِّي الكوفيين (٢): الرافع للمثلِ قولُه: ﴿تَجْرِي مِن تَحْتَهَا الأَنْهَارُ﴾ في المعنى، وقال: هو كما تقولُ: حِلْيةُ فلانٍ أسمرُ و (٣) كذا وكذا. فليس الأسمرُ بمرفوعٍ بالحلية، إنما هو ابتداءٌ، أي: هو أسمرُ، هو كذا. قال: ولو دخَل "أنَّ" في مثل هذا كان صوابًا. قال: ومثله في الكلام: مثلُك أنك كذا، وأنك كذا. وقوله:(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا﴾ (٤). [عبس: ٢٤، ٢٥] من وجهِ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا﴾ [محمد: ١٥]. ومن قال: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ﴾. أظهَر الاسمَ؛ لأنَّه مردود على الطعام بالخفضِ، ومستأنف، أي: طعامه أنا صبَننا، ثم فعلنا. وقال: معنى قوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾: صفاتُ الجنةِ.
وقال بعضُ نحويى البصريين: معنى ذلك: صفة الجنة. قال: ومنه قولُ اللهِ تعالى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [الروم: ٢٧]. معناه: ولله الصفةُ العُليا. قال: فمعنى الكلام في قوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتهَا الْأَنْهَارُ﴾. أو: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ﴾. كأنه قال: وَصْفُ الجنةِ صفةٌ تجرى من تحتها الأنهار، أو صفةٌ فيها أنهارٌ. والله أعلم.
(١) في م: "رافع". (٢) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ٦٥. (٣) سقط من النسخ، والمثبت من معاني القرآن. (٤) القراءة بكسر الهمزة هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بفتح الهمزة. السبعة لابن مجاهد ص ٦٧٢.