وقد ذكِر (١) عن بعضِهم أنه كان يَتَأَوَّلُ قولَه: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾: وتَخافون مِن اللهِ ما لا يَخافُون، مِن قولِ اللهِ: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ١٤]. بمعنى: لا يَخافون أيامَ اللهِ. وغيرُ معروفٍ صرفُ الرجاءِ إلى معنى الخوفِ في كلامِ العربِ، إلا مع جَحْدٍ سابقٍ له، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] بمعنى: لا تَخافون للهِ عظمةً. كما قال الشاعرُ (٢):
لا تَرْتجِي حينَ تُلاقي الذّائدا … أسَبْعَةً لاقَتْ معًا أم واحدا
وكما قال أبو ذؤيبٍ الهُذليُّ (٣):
إذا لسَعَتْه النحلُ لم يَرْجُ لَسْعَها … وخالَفَها (٤) في بيتِ نُوبٍ (٥) عواسلِ (٦)
وهى فيما بلغنا لغةٌ لأهلِ الحجازِ (٧)، يَقُولونها بمعنى: ما أُبالى وما أَحْفِلُ.
القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٠٤)﴾.
يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ولم يَزَلِ اللهُ عليمًا بمصالحِ خلقِه، حكيمًا في تدبيرِه وتقديرِه، ومِن علمِه أيُّها المؤمنون بمصالحِكم؛ عرَّفكم - عندَ (٨) حُضورِ صلاتِكم
(١) في م: "ذكرنا". (٢) بعده في م: "الهذلي". والبيت في معاني القرآن ١/ ٢٨٩، والأضداد ص ١١، والتبيان ٣/ ٣١٥. (٣) ديوان الهذليين ١/ ١٤٣، وفيه "الدبْر" بدلًا من "النحل"، ومعاني القرآن ١/ ٢٨٦، واللسان (ر ج و). (٤) في ت ١: "حالفها". وهي رواية. (٥) النوب من النحل: ذباب العسل سميت نوبا لأنها تضرب إلى السواد. وقيل: لأنها ترعى ثم تنوب، تشبيها بنوبة الناس والرجوع المرة بعد المرة. التاج (ن و ب). (٦) في ص، ت ١، س: "عوامل". وهى رواية معاني القرآن. والعواسل: النحل التي تصنع العسل، أو ذوات العسل. (٧) ينظر معاني القرآن ١/ ٢٨٦. (٨) في ص: "عنه".