تَكُنْ معَها حكمةٌ. قال: والحكمةُ شيءٌ يَجْعَلُه اللهُ في القلبِ يُنَوِّرُه (١) له به (٢).
والصوابُ مِن القولِ عندَنا في "الحكمةِ" أنها العِلْمُ بأحكامِ اللهِ التى لا يُدْرَكُ عِلْمُها إلَّا ببيانِ الرسولِ ﷺ والمعرفةِ بها، وما دَلَّ عليه ذلك مِن نظائرِه، وهو عندى مأخوذٌ مِن "الحُكْمِ" الذى بمعنى الفصلِ بين الحقِّ والباطلِ، بمنزلةِ "الجِلْسةِ والقِعْدَةِ" مِن الجلوسِ والقعودِ، يقال منه: إن فلانًا لحكيمٌ بيِّنُ الحِكمةِ. يعْنى بذلك أنه لبيِّنُ الإصابةِ في القولِ والفعلِ
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الآيةِ: ربَّنا وابعَثْ فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتِك، ويُعَلِّمُهم كتابَك الذى تُنزِّلُه عليهم، وفصلَ قضائِك، وأحكامَك التى تُعلِّمُه إيَّاها.
القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾.
قد دلَّلْنا فيما مضَى قبلُ على أن معنى التزكيةِ التطهيرُ، وأن معنى الزكاهِ النماءُ والزيادةُ (٣). فمعنى قولِه: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ في هذا الموضعِ: ويُطَهِّرُهم مِن الشركِ باللهِ، وعبادةِ الأوثانِ ويُنَمِّيهم ويُكَثِّرُهم بطاعةِ اللهِ.
كما حدَّثنى المُثَنَّى بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: حدَّثنى معاويةُ بنُ صالحٍ، عن علىِّ بنِ أبى طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ويزكيهم﴾. قال: يعنى بالزكاةِ طاعةَ اللهِ والإخلاصَ (٤).
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسيْنُ، قال: ثنا حَجَّاجٌ، قال: قال ابنُ جُرَيْجٍ:
(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ينور". (٢) ينظر تفسير ابن أبي حاتم ٢/ ٥٣٤ (٢٨٣٨)، وما سيأتي في تفسير، الآية (٢٦٩) من هذه السورة. (٣) ينظر ما تقدم في ١/ ٦١١، ٦١٢. (٤) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ٢٣٧ (١٢٦٥) من طريق عبد الله بن صالح به.