وأحْسَبُ أنّ مجاهدًا والربيعَ ومَن قال في ذلك بقولِهما، رَأوْا أن قولَه: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾. مِن قولِ اللَّهِ تعالى ذِكْرُه: ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٦، ٢٨، ٣٣]. بمعْنى المُتغيرِ الريحِ بالنَّتَنِ، مِن قولِ القائلِ: تَسَنَّن. وقد بَيَّنتُ الدَّلالةَ فيما مضَى على أنّ ذلك ليس كذلك (١).
فإن ظنَّ ظانٌّ أنه مِن الأسَنِ (٢)، مِن قولِ القائلِ: أَسِنَ هذا الماءُ يَأْسَنُ أسَنًا. كما قال اللَّهُ تعالى ذِكْرُه: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ [محمد: ١٥]. فإن ذلك لو كان كذلك، لكان الكلامُ: فانظُر إلى طعامِك وشرابِك لم يَتأَسَّنُ. ولم يكنْ ﴿يَتَسَنَّهْ﴾.
[فإن قال](٣): فإنه منه، غيرَ أنه تُرِكَ همزُه، قيل: فإنه وإن تُرِكَ همزُه فغيرُ جائزٍ تشديدُ نونِه؛ لأن النونَ [من "يتَأسَّنُ"] (٣) غيرُ مُشَددةٍ، وهي في ﴿يَتَسَنَّهْ﴾. مشددةٌ، ولو نُطِق مِن "يَتأسنُ" بتركِ هَمْزِه (٤)، لقِيل:"لم يَتَسَّنْ"(٥)، بتخفيفِ نونِه بغيرِ هاءٍ تلْحَقُ فيه. ففى ذلك بيانٌ واضحٌ أنه غيرُ جائزٍ أن يكونَ مِن الأسَنِ.
القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾.
اخْتَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾؛ فقال بعضُهم: معْنى ذلك: وانظُرْ إلى إحيائِى حمارَك، وإلى عظامِه كيف أُنشْزِهُا، ثم أكْسُوها لحمًا.
ثم اختلف مُتأوِّلو (٦) هذا التأويلِ؛ فقال بعضُهم: قال اللَّهُ تعالى ذِكْرُه له ذلك
(١) ينظر ما تقدم في ص ٦٠٠، ٦٠١. (٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "الأسنه". (٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س. (٤) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "الهمز"، وفى م: "الهمزة". (٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "يتسنن". (٦) بعده في م: "ذلك في".