الضلالَةَ بالهدَى والعذابَ بالمغفرةِ، فما الذي (١) أصبرَهم على النارِ؟ والنارُ لا صبرَ عليها لأحدٍ، حتى استبدَلُوها بمغفرةِ اللهِ فاعتاضُوها منها بدلًا.
وأوْلى هذه الأقوالِ بتأويلِ الآيةِ قولُ من قال: ما أجْرَأَهُم على النارِ! بمعنى: ما أجرَأَهم على عذابِ النارِ، وأعملَهم بأعمالِ أهلِها! وذلك أنه مسموعٌ من العربِ: ما أصبَرَ فلانًا على اللهِ! بمعنى: ما أجرَأَ فلانًا على اللهِ! وإنما يُعجِّبُ جلّ ثناؤه خَلْقَه بإظهارِه الخبرَ عن القومِ الذين يكتُمون ما أنزَل اللهُ ﵎ من أمرِ محمدٍ ﷺ ونبوَّتِه، باشترائِهم (٢) - بكتمانِ ذلك - ثمنًا قليلًا، من السُّحتِ والرِّشَا التي أُعطُوها، على وجهِ التعحبِ من تقدُّمِهم على ذلك، مع علمِهم بأن ذلك مُوجِبٌ لهم سَخطَ اللهِ ﵎ وأليمَ عقابِه.
وإنما معنى ذلك: فما أجرَأَهُم على عذابِ النارِ. ولكن اجْتُزِئَ بذكرِ النارِ من ذكرِ عذابِها، كما يقالُ: ما أشبهَ سخاءَك بحاتمٍ. بمعنى: ما أشبَهَ سخاءَك بسخاءِ حاتمٍ، وما أشبَهَ شَجاعتَكَ بعنترةَ.
أما قولُه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾: فإنه اخْتُلِفَ في المعنيِّ بـ ﴿ذَلِكَ﴾؛ فقال بعضُهم: معنى ﴿ذَلِكَ﴾: فعلُهم هذا الذي يفعَلون - مِن جُرأتِهم على عذابِ النارِ في مخالفتِهم أمرَ اللهِ، وكتمانِهم الناسَ ما أَنْزلَ اللهُ في كتابِه وأمرَهم ببيانِه لهم من أمرِ محمدٍ ﷺ، وأمرِ دينهِ - من أجلِ أنَّ اللهَ نزَّل
(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "واشترائهم".