لحِيلَ بينَهم وبين الهدى، كما حُلْنا بينَهم وبينَه أَوَّلَ مرّةٍ وهم في الدنيا (١).
وفي نصبِ قولِه: ﴿فَأَكُونَ﴾. وجهان؛ أحدُهما: أن يكونَ نصبُه على أنه جوابُ ﴿لَوْ﴾. والثاني: على الردِّ على موضعِ الكرّةِ، وتوجيهُ الكرّةِ في المعنى إلى: لو أنَّ لي (٢) أن أكِرَّ، كما قال الشاعرُ (٣):
فما لك منها غيرُ ذِكْرَى وحَسْرةٍ (٤) … وتَسْأَلَ عن رُكْبانِها أَينَ يَمَّمُوا
فنصَب "تسأل" عطفًا بها على موضعِ الذكرى؛ لأن معنى الكلامِ: فما لك (٥) بـ: "يرسل" على موضعِ "الوحي" في قولِه: ﴿إِلَّا وَحْيًا﴾ [الشورى: ٥١].
يقولُ تعالى ذكرُه مكذَّبًا للقائلِ: ﴿لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. وللقائلِ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾: ما القولُ كما تقولون، ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ﴾ - أيها المتمنَّي على اللهِ الردَّ إلى الدنيا؛ لتكونَ فيها من المحسنين - ﴿آيَاتِي﴾. يقولُ: قد جاءتك حُجَجي من بين رسولٍ أرسلْتُه إليك، وكتابٍ أنزلتُه يتلى عليك ما فيه من الوعدِ والوعيدِ والتذكيرِ، فكذَّبت
(١) تقدم تخريجه في ٩/ ٤٩١. (٢) بعده في ت ١: "كرة لي". (٣) معاني القرآن ٢/ ٤٢٣. (٤) في ص، ت ١: "حسية"، وفي ت ٢: "حينه"، وفي ت ٣: "حديثه". والمثبت موافق لما في البحر المحيط ٧/ ٤٣٦. (٥) كذا في النسخ، ولعل سقطا وقع من النسخ، لعله: "فمالك غير أن تذكر وتسأل، كما عطف". وينظر معاني القرآن ٢/ ٤٢٢، ٤٢٣.