ومعنى قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾: إنا أرسلناك يا محمدُ بالإسلامِ الذى لا أَقبَلُ مِن أحدٍ غيرَه مِن الأديانِ، وهو الحقُّ، مُبشِّرًا مَن اتَّبَعك فأطاعك، وقَبِل منك ما دَعوتَه إليه مِن الحقِّ، بالنصرِ في الدنيا، والظَّفَرِ بالثوابِ في الآخرةِ، والنعيمِ المُقيمِ فيها، ومُنْذِرًا مَن عصاك فخالفَك، وردَّ عليك ما دَعَوْتَه إليه مِن الحقِّ، بالخِزْىِ في الدنيا، والذلِّ فيها، والعذابِ المُهينِ في الآخرةِ.
قال أبو جعفرٍ: قَرَأت عامَّةُ القَرأةِ: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾. بِضَمِّ التاءِ مِن ﴿تُسْأَلُ﴾ ورَفْعِ اللامِ منها على الخبرِ، بمعنى: يا محمدُ، إنا أرْسَلناك بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا، فبلِّغْ (١) ما أُرْسِلْتَ به، فإنما عليك البلاغُ والإنْذارُ، ولسْتَ مسئولًا عمَّن كفَر بما أتَيْتَه به مِن الحقِّ فكان مِن أهلِ الجحيمِ.
وقرَأ ذلك بعضُ أهلِ المدينةِ. (ولا تَسألْ). جَزْمًا بمعنى النَّهْىِ، مفتوحَ التاءِ مِن (تَسْأَلْ)، وبجَزْمِ اللامِ منها (٢). ومعنى ذلك على قراءةِ هؤلاء: إنا أرْسَلناك بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا؛ لتُبلِّغَ ما أُرْسِلْتَ به، لا لتسألَ عن أصحابِ الجحيمِ، فلا تَسْأَلْ عن حالِهم.
(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فبلغت". (٢) وهذه قراءة نافع، وقرأ الباقون كالوجه الأول. حجة القراءات ص ١١١.