وأما قوله: ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ [وَهُمْ كَافِرُونَ﴾، فإنه يعني: وتَخْرُجَ أنفسهم](١)، فَيَموتوا على كُفْرِهم بالله، وجُحُودِهم نبوة نبيِّ الله محمدٍ ﷺ.
يقالُ منه: زَهَقَت نفسُ فلانٍ، وزَهِقَت. فمَن قال: زَهَقَت. قال: تزْهَقُ. ومَن قال: زهقت، قال: تزهقُ زُهوقًا. ومنه قيل: زَهَق فلانٌ بين أيدى القومِ يَزْهَقُ زُهُوقًا. إذا سَبَقَهم فتَقَدَّمَهم. ويقالُ: زَهَق الباطل. إذا ذَهَب ودَرَس.
القول في تأويل قوله: ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦)﴾.
يقول تعالى ذكره: ويَحْلِفُ بالله لكم، أيُّها المؤمنون، هؤلاء المنافقون كَذِبًا وباطلًا، خَوْفًا منكم - ﴿إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ﴾ في الدين والملة. يقولُ الله تعالى مُكَذِّبًا لهم: ﴿وَمَا هُمْ مِنْكُمْ﴾. أي: ليسوا من أهل دينكم وملَّتِكم، بل هم أهل شكٍّ (٢) ونفاق، ﴿وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾. يقولُ: ولكنهم قومٌ يخافونكم، فهم خَوْفًا منكم يقولون بألسنتهم: إنَّا منكم. ليَأْمَنوا فيكم فلا يُقْتَلوا.
القول في تأويل قوله: ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)﴾.
يقول تعالى ذكره: لو يَجِدُ هؤلاء المنافقون ﴿مَلْجَأً﴾. يقولُ: عَصَرًا (٣) يَعْتَصِرون به مِن حِصْنٍ، ومَعْقِلًا يَعْتَقِلون فيه منكم، ﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾. وهى الغيران في الجبال، واحِدَتُها: مَغَارةٌ، وهي مَفَعْلَةٌ، مِن: غارَ الرجلُ في الشيء،
(١) سقط من: ت ١، س، ف. (٢) في ف: "شرك". (٣) أي الملجأ والمنجاة. اللسان (ع ص ر).