الإفراطِ، وربما كان في التقصيرِ (١)، غيرَ أنه إذا كان في الإفراطِ، فاللغةُ المستعملةُ فيه أن يقالَ: أَسْرَف يُسْرِف إسرافًا. وإذا كان كذلك في التقصير، فالكلامُ منه: سَرِفَ يَشرَفُ سَرَفًا. يقالُ: مَرَرْتُ بكم فسَرَفْتُكم. يرادُ به: فسَهَوْتُ عنكم وأَخْطَأْتُكم، كما قال الشاعرُ (٢):
أَعْطُوا هُنَيْدَةَ (٣) يَحْدُوها ثمَانِيَةٌ … ما في عطَائِهِمُ مَنٌّ ولا سَرَفُ يعنى بقولِه: ولا سَرَف: لا خطأَ فيه، يرادُ به: أنهم يُصِيبون مواضعَ العطاءِ، فلا يُخْطِئونها.
القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾.
يعنى بقولِه جل ثناؤه: ﴿وَبِدَارًا﴾: ومبادرةً. وهو مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: بادَرْتُ هذا الأمرَ مُبادَرةً وبدارًا. وإنما يعنى بذلك جلّ ثناؤُه وُلاةَ أموالِ اليتامى، يقولُ لهم: لا تَأْكلوا أموالَهم إسرافًا - يعنى (٤): ما أباح اللهُ لكم أكْلَه - ولا مُبادرةً منكم بُلُوغَهم وإيناسَ الرُّشْدِ منهم؛ حذرًا أن يَبْلُغوا فيَلْزَمَكم تَسْليمُه إليهم.
كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾. يعنى: يأكلُ (٥) مالَ اليتيمِ يُبادِرُ (٦) أن يَبْلُغَ، فيَحُولَ بينَه وبينَ مالِه (٧).
(١) في ص، س: "التصعير"، وفى ت ٢: "التصغير". (٢) البيت لجرير، وهو في ديوانه ١/ ١٧٤. (٣) هنيدة: اسم لكل مائة من الإبل وغيرها. تاج العروس (هـ ن د). (٤) في الأصل: "بغير". (٥) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أكل". (٦) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "فبادرا". (٧) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٨٦٧ (٤٨١٣) من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٢١ إلى ابن المنذر.