اختلَفت القرأَةُ في قراءةِ قوله: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ (١)﴾؛ فقرَأه بعضُ قرأَةِ الكوفةِ والمدنيِّين والكوفيِّين (٢): ﴿وَلَا تُصَعِّرْ﴾ على مثالِ "تُفَعِّل"(٣). وقرَأ ذلك بعضُ المكيِّين وعامةُ قَرَأَةِ المدينةِ والكوفةِ والبصرةِ:(ولا تُصاعِرْ) على مثالِ "تُفاعِل".
والصوابُ من القولِ في ذلك أن يُقال: إنهما قراءَتان قد قرَأ بكلِّ واحدةً منهما علماءُ من القرأَةِ، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ. وتأويلُ الكلامِ: ولا تُعْرِضْ بوجهِك عمن كلَّمتَه؛ تكبُّرًا واستحقارًا لمن تُكَلِّمُه. وأصلُ الصَّعَر: داءٌ يَأْخُذُ الإبلَ في أعناقِها أو رءوسِها، حتى تَلْفِتَ أعناقَها عن رءوسِها، فيُشَبَّه به الرجلُ المتكبرُ على الناسِ، ومنه قولُ عمرِو بن [حُنَيٍّ التَّغْلِبيِّ](٤):
وكُنَّا إِذا الجبَّارُ صعَّر خَدَّهُ … أَقَمْنا له من مَيلِه فَتَقَوَّما
واختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِه؛ فقال بعضُهم نحوَ الذي قلْنا فيه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباسٍ: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾. يقولُ: لا تتكبَّر، فتَحْقِرَ عبادَ اللَّهِ، وتُعْرِضَ عنهم بوجهِك إذا كلَّموك (٥).
(١) في ت ٢: "تصاعر". وهي قراءة نافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي. ينظر السبعة ص ٥١٣، والتيسير ص ١٤٣. (٢) كذا في النسخ، وهو تكرار، ولعله: "المكيين"؛ فإن ابن كثير - وهو مكى - قرَأ: ﴿تُصَعِّرْ﴾. ينظر السبعة ص ٥١٣. (٣) وهى قراءة ابن كثير وابن عامر وعاصم. السبعة ص ٥١٣، والتيسير ص ١٤٣. (٤) في ص: "حبى الثعلبي"، وفى م: "خيى التغلبى"، وفى ت ١: "حيى الثعلبي"، وفي ت ٢: "حبى الثعلبي". والمثبت من معجم الشعراء، والبيت فيه في ص ١٣، وفى مجاز القرآن ٢/ ١٢٧ ونسبه لعمرو بن حنى، وهو في اللسان والتاج (ص ع ر) منسوبا للمتلمس. (٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في الإتقان ٢/ ٣٦ من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١٦٦ إلى ابن المنذر.