يقولُ تعالى ذكرُه: صفةُ الجنةِ التي وُعِدَها المتقون، وهم الذين اتَّقَوا في الدنيا عقابَه؛ بأداءِ فرائضِه واجتنابِ معاصيه، ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: في هذه الجنةِ التي ذكَرها أنهارٌ مِن ماءٍ غيرِ متغيِّرِ الريحِ. يقالُ منه: قد أسِن ماءُ هذه البئرِ، إذا تغيَّرت ريحُ مائِها فأنتَنت، فهو يَأْسَنُ أَسَنًا. وكذلك يُقالُ للرجلِ إذا أصابَته ريحٌ منتِنةٌ: قد أَسِنَ، فهو يأْسَنُ. وأما إذا أَجَن الماءُ وتغيَّر، فإنه يقالُ له: أَسَن، فهو يأسِنُ، ويأسُنُ أُسونًا، وماءٌ آسنٌ.
وبنحوِ الذي قلنا في معنى قولِه: ﴿مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ في قولِه: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾. يقولُ: غيرِ متغيِّرٍ (١).
حدَّثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن معمر، عن قتادة في قوله: ﴿أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾. قال: من ماءٍ غيرِ مُنْتَنٍ (٢).
حدَّثني عيسى بنُ عمرٍو، قال: أخبرنا إبراهيمُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا مصعبُ بنُ سلَّامٍ، عن سعدِ بن طَرِيفٍ، قال: سألتُ أبا إسحاقَ عن: ﴿مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾، قال: سألتُ عنها الحارثَ، فحدَّثني أن الماءَ الذي غيرُ آسنٍ "تسنيم"، قال: بلَغنى أنه لا تمسُّه يدٌ، وأنه يجئُ الماءُ هكذا حتى يدخُلَ في فيه (٣).
وقولُه: ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وفيها أنهارٌ من
(١) أخرجه ابن أبي حاتم - كما في التغليق ٤/ ٣١٢ والإتقان ٢/ ٤٣ - من طريق أبي صالح به. (٢) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢٢٢ عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤٩ إلى عبد بن حميد. (٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤٩ إلى المصنف.