كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ﴾ الآية؛ لما عاينوا من وفاءِ الموعودِ، وعظيمِ الثوابِ (١).
واخْتَلفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ فقرَأ ذلك بعضُهم بفتحِ الألفِ من "أَنَّ"(٢)، بمعنى: يستبشرون بنعمةٍ من اللَّهِ وفضلٍ، وبأن اللَّهَ لا يضيعُ أجرَ المؤمنين. [فموضعُ "أن" إذا فُتِحتُ خُفِض بالعطف على "الفضلِ". وقرأ ذلك آخرون:(وإن الله)] (٣) بكسرِ الألفِ على الاستئنافِ (٤). واحتج مَن قرَأ ذلك كذلك بأنها في قراءةِ عبدِ اللَّهِ:(وَفَضْلٍ وَاللَّهُ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمنِين). قالوا: فذلك دليلٌ على أن قولَه: (وإن الله). مستأنَفٌ غيرُ متصلٍ بالأولِ.
ومعنى قولِه: ﴿لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. لا يُبْطِلُ جزاءَ أعمالِ من صدَّق رسولَه واتَّبعه، وعمِل بما جاءَه به من عندِ اللَّهِ.
وأولى القراءتين بالصوابِ قراءةُ من قرَأ ذلك: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾. بفتحِ الألفِ؛ الإجماعِ الحجَّةِ من القرأةِ على ذلك.
يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وأن اللَّهَ لا يضيعُ أجرَ المؤمنين، المستجيبين للَّهِ والرسولِ، من بعدِ ما أصابهم الجِراحُ والكُلُومُ (٥)، وإنما عنى اللَّهُ تعالى ذكرُه بذلك
(١) سيرة ابن هشام ٢/ ١١٩. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٨١٥ (٤٥٠٤) من طريق سلمة به. (٢) وهى قراءة السبعة ما عدا الكسائي. ينظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٢١٩. (٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س. (٤) وهى قراءة الكسائي. ينظر المصدر السابق. (٥) الكلوم: جمع كَلْم، وهو الجرح. اللسان (ك ل م).