فقالت النارُ: يَدْخُلُني الجبَّارون والمتكبِّرون. وقالت الجنةُ: يَدْخُلُني الفقراءُ والمساكينُ. فأوحَى اللَّهُ إلى الجنةِ: أنتِ رحمتي، أُصِيبُ بِكِ مَن أشَاءُ، وأوحَى إلى النارِ: أنتِ عذابي، [أَنْتَقِمُ بك ممن شِئتُ](١)، ولكلِّ واحدةٍ منكما مِلْؤُها. فأما النارُ فتقولُ: هل من مزيدٍ؟ حتى يَضَعَ قدمَه فيها، فتقولُ: قَطْ، قَطْ" (٢).
قال أبو جعفرٍ ﵀: ففي قولِ النبيِّ ﷺ: "لا تزالُ جهنمُ تقولُ: هل من مزيدٍ". دليلٌ واضحٌ على أن ذلك بمعنى الاستزادةِ لا بمعنى النفيِ؛ لأن قولَه "لا تزالُ" دليلٌ على اتصالِ قولٍ بعدَ قولٍ.
قال أبو جعفرٍ ﵀: يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [غَيْرَ بَعِيدٍ](٣)﴾. وأدنِيَتِ الجنةُ وقرِّبت للذين اتَّقَوا ربَّهم، فخافوا عقوبتَه بأداء فرائضِه واجتنابِ معاصِيه.
وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. يقولُ: وأُدنِيَت، غيرَ بعيدٍ (٤).
وقولُه: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ﴾. يقولُ: يُقالُ لهم: هذا الذي تُوعَدون أيُّها
(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أصيب بك من أشاء". (٢) أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص ٦٥، والضياء في المختارة (٢٤٨٦) من طريق زياد به. (٣) سقط من: الأصل. (٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٠٧ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.