وقد كان بعضُ نَحْويِّى البصرة يختارُ الكسرَ في ذلك على الابتداءِ؛ بسببِ دخولِ "الفاءِ" فيها، وأن دخولَها فيها عندَه دليلٌ على أنها جوابُ الجزاءِ، وأنها إذا كانت [جوابَ الجزاءِ](١)، كان الاختيارُ فيها الابتداءَ.
والقراءةُ التي لا أَسْتَجِيزُ غيرَها فتحُ الألفِ في كلا الحرفَين - أعنى "أنّ" الأولى والثانيةَ - لأن ذلك قراءةُ الأمصارِ، وللعِلَّة التي ذكرتُ من جهة العربيةِ.
يقولُ تعالى ذكرُه: يَخْشَى المنافقون أن تَنزِلَ فيهم سورةٌ ﴿تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾. يقولُ: تُظهِرُ المؤمنين على ما في قلوبِهم.
وقيل: إن الله أنزَل هذه الآيةَ على رسولِ اللهِ ﷺ؛ لأن المنافقين كانوا إذا عابوا رسول اللهِ ﷺ وذكروا شيئًا مِن أمره وأمرِ المسلمين، قالوا: لعل الله لا يُفْشِى سِرَّنا. فقال اللهُ لنبيِّه محمدٍ ﷺ: قلْ لهم: ﴿اسْتَهْزِئُوا﴾. مُتَهَدِّدًا لهم مُتَوَعِّدًا، ﴿إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا (٢) تَحْذَرُونَ﴾.
وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ﴾. قال: يقولون القولَ (٣)
(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "للجواب جزاء". (٢) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "ما كنتم". (٣) في م: "للقول".