قولُه: ﴿فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ﴾. ففي قوله: ﴿لِتُنذِرَ بِهِ﴾. الأمرُ بالإنذارِ، وفى الأمرِ بالإنذارِ الأمرُ بالقولِ؛ لأن الإنذارَ قولٌ، فكأن معنى الكلامِ: أنذرِ القومَ وقلْ لهم: اتَّبِعوا ما أُنزِل (١) إليكم مِن رَبِّكُم.
ولو قيل: معناه: لتنذِرَ به وتُذكِّرَ به المؤمنين، فتقولَ لهم: اتَّبِعوا ما أُنزِل إليكم. كان غيرَ مدفوع. وقد كان بعضُ أهلِ العربية (٢) يقولُ: قولُه: ﴿اتَّبِعُوا﴾. خطابٌ للنبيّ ﷺ، ومعناه: كتابٌ (٣) أُنزلِ إليك فلا يكُنْ في صدرِك حرجٌ منه، اتبعْ ما أُنزِل إليك مِن ربّك. ويَرَى أن ذلك نظيرُ قولِ اللَّهِ: ﴿يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١]. إذ ابتدَأ خطابَ النبيّ ﷺ، ثم جَعَل الفعلَ للجميعِ، إذ كان أمرُ اللهِ نبيَّه بأمرٍ، أمرًا منه لجميعِ أمتِه، كما يقالُ للرجلِ يُفْرَدُ بالخطابِ، والمرادُ به هو وجماعةُ أتباعِه أو عشيرتِه وقبيلتِه: أمَا تتقون الله، أما تَسْتَحْيون مِن اللهِ. ونحو ذلك من الكلام.
وذلك وإن كان وجهًا غيرَ مدفوعٍ، فالقولُ الذي اخْترناه أَولى بمعنى الكلام؛ لدلالةِ الظاهرِ الذي وصفْنا عليه.