تُعْلَمُ حقيقتُه وصحتُه، بل يعلمُ اللَّهُ أن ذلك خلافُ ما تقولون (١)، وأنها لا تشفعُ لأحدٍ، ولا تنفع ولا تضر، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. يقولُ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ وعُلُوًّا عما يفعله هؤلاء المشركون من إشراكهم في عبادته (٢) ما لا يضرُّ ولا ينفعُ، وافترائِهم عليه الكذبَ.
يقولُ تعالى ذكرُه: وما كان الناسُ إلا أهلَ دينٍ واحدٍ وملةٍ واحدةٍ، ﴿فاختلفوا﴾ في دينِهم، فافْتَرَقَت بهم السُّبُلُ في ذلك، ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾. يقولُ: ولولا أنه سبَق مِن اللَّه، أنه لا يُهْلِكُ قومًا إلا بعدَ انقضاء آجالِهم، ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾، يقولُ: لقُضِيَ بينَهم بأن يُهْلِكَ أهل الباطلِ منهم، ويُنجِّىَ أهلَ الحقِّ.
وقد بَيَّنَّا اختلاف المختلفين في معنى ذلك في "سورةِ البقرة"، وذلك في قولِه: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: ٢١٣] وبينا الصوابَ من القولِ فيه بشواهدِه، فأغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٣).
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾ حِينَ قتَل أحدُ ابنَى (٤) آدم أخاه (٥).
(١) في ص، ف: "يقولون". (٢) في م: "عبادة". (٣) تقدم في ٣/ ٦٢٠ - ٦٢٧. (٤) في ت ١، ت ٢، س: "بني". (٥) تفسير مجاهد ص ٣٨٠، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٩٣٧.