وهذا الكلامُ وإن كان ظاهرُه ظاهرَ دعاءٍ للقائلين: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾. إلى إحضارِ حجةٍ على دَعْواهم ما ادَّعَوا من ذلك، فإنه بمعنى تكذيبٍ من اللهِ لهم في دَعْواهم وقيلِهم؛ لأنهم لم يكونوا قادِرين على إحضارِ برهانٍ على دَعْواهم تلك أبدًا.
وقد أبان قولُه: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾. على أن الذي ذُكِرَ (٢) من الكلامِ بمعنى التكذيبِ لليهودِ والنصارَى في دَعْواهم ما ذكَر اللهُ عنهم.
وأما تأويلُ قولِه: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ فإنه: أَحْضِرُوا وأْتُوا به.
يعنى بقولِه جل ثناؤُه: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ﴾: ليس الأمرُ (٣) كما قال الزاعمون: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾. ولكن مَن أَسلمَ وجهَه للهِ وهو مُحسِنٌ، فهو الذي يَدخُلُها ويُنَعَّمُ فيها.
كما حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: أَخْبَرَهم (٤) مَن يدْخُلُ الجنةَ [فقال: ﴿بَلَى](٥) مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ الآية.
وقد بَيَّنَّا معنى "بَلى" فيما مضَى قبلُ (٦).
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٠٧ عقب الأثر (١٠٩٦) من طريق ابن أبي جعفر. (٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ذكرنا". (٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٤) بعده في م: "أن". (٥) في م. "هو". (٦) ينظر ما تقدم في ص ١٧٩.