فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قال جلَّ ثناؤُه: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أوَ لم يكُن عالمًا بما يصيرُ إليه أمرُهم إذا هم عَبدوه وأطاعوه، حتى قال لهم: لعلكم إذا فعَلتم ذلك أن تَتَّقوا. فأخْرَج الخبرَ عن عاقبةِ عبادتِهم إيَّاه مُخْرَجَ الشكِّ؟
قيل: ذلك على غيرِ المعنى الذي توهَّمتَ، وإنما معنى ذلك: اعبُدوا ربَّكم الذي خلَقكم والذين مِن قبلِكم لتَتَّقوه بطاعتِه وتوحيدِه وإفرادِه بالرُّبوبيةِ والعبادةِ، كما قال الشاعرُ (١):
وقولُه: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾ مردودٌ على ﴿الَّذِي﴾ الأَوَّلِ في قولِه: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ وهما جميعًا مِن نعتِ ﴿رَبَّكُمُ﴾. فكأنَّه قال: اعبُدوا ربَّكم الخالِقَكم، والخالقَ الذين مِن قبلِكم، الجاعلَ لكم الأرضَ فِراشًا. يعني بذلك أنه جعَل لكم (٣) الأرضَ مِهادًا تُوطَأُ، وقرارًا يُستقرُّ عليها. يُذكِّرُ ربُّنا جلَّ ذكرُه بذلك مِن قيلِه، عبادَه (٤) نعمَه عندَهم وآلاءَه لديهم؛
(١) البيتان في أمالي ابن الشجري ١/ ٥١ غير منسوبين. (٢) في ص، م: "الفلا". والفلا والملا: المتسع من الأرض، أو الصحراء الواسعة. اللسان (ف ل و، م ل و). (٣) في ص: "لهم". (٤) في م: "زيادة".