سمِعْنا كتابًا أُنزِل من بعدِ كتابِ موسى، ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾. يقولُ: يُصَدِّقُ ما قبلَه من كتبِ اللهِ التي أنزَلها على رُسُلِه.
وقولُه: ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾. يقولُ: يُرْشِدُ إلى الصوابِ ويَدُلُّ على ما فيه للهِ رضًا، ﴿وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. يقولُ: وإلى طريقٍ لا اعْوجاجَ فيه، وهو الإسلامُ.
وكان قتادةُ يقولُ في ذلك ما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ أنه قرأ: ﴿قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. فقال: ما أسرَعَ ما عقَل القومُ! ذُكِر لنا أنَّهم صُرِفوا إليه من نِينَوَى (١).
يقولُ تعالى ذكرُه مُخبِرًا عن قيلِ هؤلاء النَّفَرِ من الجنِّ لقومِهم: يا قومَنا من الجنِّ، ﴿أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾. قالوا: أجِيبوا رسولَ اللهِ محمدًا إلى ما يَدْعوكم إليه من طاعةِ اللهِ، ﴿وَآمِنُوا بِهِ﴾. يقولُ: وصَدَّقوه فيما جاءكم به وقومَه من أمرِ اللهِ ونهيِه وغيرِ ذلك مما دعاكم إلى التصديقِ به، ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾. يقولُ: يَتَغَمَّد لكم ربُّكم من ذنوبِكم فيَسْتُرُها عليكم (٢) ولا يَفْضَحُكم بها في الآخرةِ، بعقوبتِه إيَّاكم عليها، ﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. يقولُ: ويُعِذْكم (٣) من عذابٍ موجعٍ إذا أنتم
(١) تقدم تخريجه في ص ١٦٦، ١٦٧. (٢) في م: "لكم". (٣) في م: "ينقذكم".