وكان بعضُهم يقولُ: إنما أُرِيد بقولِه: ﴿لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾. التَّوْسِعةُ، كما يقولُ القائلُ: هو في خيرٍ مِن قَرْنِه (١) إلى قدمِه (٢).
وتأويلُ أهلِ التأويلِ بخلافِ ما ذكَرْنا من هذا القولِ، وكفَى بذلك شاهدًا على فَسادِه.
يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ﴾: منهم جَماعةٌ، ﴿مُقْتَصِدَةٌ﴾.
يقولُ: مُقْتَصِدةٌ في القولِ في عيسى ابن مريمَ، قائلةٌ فيه الحقَّ: إنه رسولُ اللهِ وكلمتُه ألقاها إلى مريم ورُوحٌ منه، لا غاليةٌ قائلةٌ: إنه ابن اللهِ تعالى اللهُ عما قالوا مِن ذلك، ولا مُقَصِّرةٌ قائلةٌ: هو لغيرِ رَشْدةٍ (٣). ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ يعني: من بني إسرائيلَ مِن أهلِ الكتابِ؛ اليهودِ والنصارى، ﴿سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾. يقولُ: كثيرٌ منهم سيئٌ عملُهم، وذلك أنهم يَكْفُرون باللهِ؛ فتَكَذِّبُ النصارى بمحمدٍ ﷺ، وتَزْعُمُ أن المسيحَ ابن اللهِ، وتُكَذِّبُ اليهودُ بعيسى وبمحمدٍ صلى اللهُ عليهما، فقال اللهُ تعالى ذكرُه فيهم ذامًّا لهم: ﴿سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾، في ذلك من فعلِهم.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهدٍ: ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ﴾: وهم مُسْلمةُ أهلِ الكتابِ، ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا
(١) في م: "فرقه". والقرن: حد الرأس وجانبه. (٢) ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٣١٥. (٣) لغير رشدة: لغير نكاح صحيح.