حدَّثني زكريا بنُ يحيى بن أبى زائدةَ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن شبيبٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾. قال: بالبابِ، وقالوا: بالفناءِ (١).
وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: الوَصيدُ البابُ، أو فناءُ البابِ حيثُ يُغلَقُ البابُ. وذلك أن البابَ يُوصَدُ، وإيصادُه إطباقُه وإغْلاقُه، من قولِ الله ﷿: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ [الهمزة: ٨]. وفيه لُغَتَانِ: الأَصِيدُ، وهى لغةُ أهل نجدٍ. والوَصيدُ، وهى لغةُ أهلِ تهامةَ. وذُكِر عن أبي عمرِو بن العلاءِ، قال: إنها لغةُ أهلِ اليمنِ. وذلك نَظيرُ قولِهم: ورَّختُ الكتابَ وأَرَّخْتُه، ووكَّدتُ الأمرَ وأكَّدتُه (٢). فمَن قال: الوَصيدُ. قال: أوصدتُ البابَ، فأنا أُوصِدُه، وهو مُوصَدٌ. ومَن قال: الأَصِيدُ. قال: آصَدتُ البابَ، فهو مُؤْصَدٌ. فكأن معني الكلامِ: وكلبُهم باسطٌ ذراعَيْه بفِناءِ كهفِهم عندَ البابِ، يحفَظُ عليهم بابَه.
وقولُه: ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا﴾. يقولُ: لو اطَّلَعتَ عليهم في رَقْدَتِهم التي رَقَدوها في كهفِهم، لأدْبَرتَ عنهم هارِبًا مِنهم فارًّا، ﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾. يقولُ: ولمُلِئَتْ نفسُك اطِّلاعِك عليهم فَرَعًا؛ لِما كان اللَّهُ ألبَسَهم من الهَيْبَةِ؛ [كي لا](٣) يصلَ إليهم واصِلٌ، ولا تَلْمِسَهم يدُ لامِسٍ، حتى يبلُغَ
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢١٦ إلى المصنف وابن المنذر. (٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "أكدت". (٣) في ت ٢: "لئلا".