وقولُه: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾. يعني بالحكمةِ البالغةِ هذا القرآنَ. ورُفِعَت "الحكمةُ" ردًّا على ﴿مَا﴾ التي في قولِه: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾.
وتأويلُ الكلامِ: ولقد جاءهم مِن الأنباءِ النبأُ الذي فيه مُزْدَجَرٌ، حكمةٌ بالغةٌ.
ولو رُفِعَت الحكمةُ على الاستئنافِ كان جائزًا، فيكونُ معنى الكلامِ حينَئِذٍ: ولقد جاءهم من الأنباءِ النبأُ الذي فيه مزدجرٌ، ذلك حكمةٌ بالغةٌ. أو هو حكمةٌ بالغةٌ. فتكونُ و"الحكمةُ" كالتفسيرِ [لـ ﴿مَا﴾](١).
وقولُه: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾. وفي "ما" التي في قولِه: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾. وجهان؛ أحدُهما، أن تكونَ بمعنى الجَحْدِ، فيكونَ - إذا وُجِّهتْ إلى ذلك - معنى الكلامِ: فليست تُغْنِي عنهم النُّذُرُ، ولا يَنْتَفِعون بها؛ لإعراضِهم عنها وتكذيبِهم بها. والآخَرُ، أن تكونَ بمعنى: أنَّى. فيكون معنى الكلامِ إِذا وُجِّهَت إلى ذلك: فأيَّ شيءٍ تُغْنِي عنهم النُّذُرُ.
والنُّذُرُ جمعُ نَذِيرٍ، كما الجُدُدُ جمعُ جديدٍ، والحُصُرُ جمعُ حَصِيرٍ.
قال أبو جعفرٍ ﵀: يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾: فأعْرِضْ يا محمدُ عن هؤلاء المشركين مِن قومِك، الذين إن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضوا ويقولوا: سحرٌ مستمرٌّ. فإنهم يومَ يَدْعو الداعي (٣)؛ داعي اللَّهِ إلى موقِف القيامةِ، وذلك هو
(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لها". (٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "خاشعا"، وهي قراءة كما سيأتي. (٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.