الكتابِ من اليهود، بتَعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة، في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا: إن أهلَ الكفر باللهِ أولى بالحقِّ من أَهلِ الإيمان به، وإن دينَ أهل التكذيب لله جلَّ ثناؤُه ولرسوله ﵇، أعدلُ وأصوبُ من دينِ أهل التصديق لله ولرسوله.
وذُكر أن ذلك من صفة كعبِ بن الأشرفِ وأنه قائلُ ذلك.
ذكرُ الآثار الواردة بما قلنا
حدَّثنا محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا ابن أبى عَدِيٍّ، عن داودَ، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: لمَّا قدِم كعبُ بن الأشرفِ مكةَ، قالت له قريشٌ: أنت خيرُ (١) أهلِ المدينة وسيدُهم؟ قال: نعم. قالوا: ألَا تَرَى إلى هذا الصُّنبورِ (٢) المُنبتِرِ مِن قومه، يَزْعُمُ أنه خيرٌ منَّا، ونحن أهلُ الحَجيج وأهلُ السَّدَانة (٣) وأهلُ السِّقاية؟ قال: أنتم خيرٌ منه. قال: فأنزِلَت: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: ٣]. وأُنزِلَت: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾. إلى قوله: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ (٤).
(١) كذا في النسخ ومصادر التخريج، وفى اللسان والتاج (ب ت ر): "حبر". بالحاء المهملة والباء الموحدة بعدها. (٢) الصنبور: الرجل الفرد الضعيف الذليل، بلا أهل ولا عقب ولا ناصر، أرادوا أنه أبتر لا عقب له ولا أخ، فإذا مات انقطع ذكره. ينظر التاج: (ص ن ب ر). (٣) سدانة الكعبة: خدمتها وتولى أمرها، وفتح بابها وإغلاقه. النهاية ٢/ ٣٥٥. (٤) أخرجه أحمد - كما في تفسير ابن كثير ٢/ ٢٩٥، والدر المنثور ٢/ ١٧١ - والنسائى في الكبرى (١١٧٠٧)، وابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٧٣ (٥٤٤٠) - تعليقا - من طريق ابن أبي عدى به. وأخرجه البزار (٢٢٩٣ - كشف) من طريق داود به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٧١، ٦/ ٤٠٣ إلى ابن المنذر وابن مردويه. ورواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، واختلف عليه، كما سيأتي في الأثر بعده.