وقرَأ ذلك عامَّةُ قرَأةِ الكوفيين:(نَأكُلُ مِنْها) بالنونِ (١)، بمعنى: نأكُلُ من الجنةِ.
وأولى القراءتينِ في ذلك عندِى بالصوابِ قراءةُ من قرَأهُ بالياءِ؛ وذلك للخبرِ الذي ذكَرنا قبلُ [مِن أنَّ](٢) مسألةَ مَن سأَل مِن المشركينَ رسولَ اللهِ ﷺ، أنْ يسألَ ربَّه هذه الخلالَ لنفسِه لا لهم. فإذ كانت مسْأَلتُهم إيَّاه ذلك كذلك، فغيرُ جائزٍ أَنْ يقولُوا له: سلْ لنفسِك ذلك لنأكلَ نحن.
وبعدُ، فإن في قولِه تعالى ذكرُه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. دليلًا بيِّنًا على أنَّهم إنَّما (٣) قالوا له: اطلبْ ذلك لنفسِك؛ لتأكلَ أنت منه، لا نحنُ.
وقولُه: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ﴾. يقولُ: وقال المشركونَ للمؤمنينِ باللهِ ورسولِه: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ﴾ أيُّها القومُ باتباعِكم محمدًا إلا رجلًا به سِحْرٌ.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: انظر يا محمدُ إلى هؤلاءِ المشركينَ الذين شبَّهوا لك الأشباهَ بقولِهم لك: هو مسحورٌ. فضلُّوا بذلك عن قصدِ السبيلِ، وأَخطَئُوا طريقَ الهُدَى والرشادِ، ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾. يقولُ: فلا يجدُونَ سبيلًا إلى الحقِّ، إِلَّا فيما بعثْتُك بهِ، ومن الوجهِ الذي ضلُّوا عنه.
(١) هي قراءة حمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٤٦٢. (٢) في ص، م: "بأن". (٣) سقط من: ت ١، ف.