وطَغَتْ، فَكَفَرَتْ بربِّها. وقيل: ﴿بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ فَجَعَل الفِعلَ للقريةِ، وهو في الأصلِ للمعيشةِ، كما يُقالُ: أَسْفَهَك رَأيك فسَفِهْتَه، وأَبْطَرَك مالُك فبَطِرْتَه.
و "المعيشةُ" منصوبةٌ على التفسير.
وقد بَيَّنَّا نظائرَ ذلك في غيرِ موضعٍ مِن كتابِنا هذا (١).
وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾. قال: البَطَرُ الأشرُ (٢)، أهلُ الغَفْلَةِ وأهلُ الباطل والرُّكُوبِ لمعاصى اللهِ. وقال: ذلك البَطَرُ في النِّعْمةِ (٣).
﴿فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾. يقولُ: فتلك دُورُ القومِ الذين أهْلَكْناهم بكفرهم بربِّهم، ومنازِلُهم، ﴿لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾. يقولُ: خَرِبَتْ مِن بعدِهم، فلم يُعْمَرُ منها إلا أقَلُّها، وأكثرُها خَرابٌ.
ولفظُ الكلامِ وإن كان خارجًا على أن مساكنَهم قد سُكِنَتْ قليلًا، فإن معناه: فتلك مساكنُهم لم تُسْكَنْ من بعدهم إلا قليلًا منها. كما يُقالُ: قَضَيتُ حقَّك إلَّا قليلًا منه.
وقولُه: ﴿وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾. يقولُ: ولم يَكُنْ لِمَا خَرَّبْنَا مِن مساكنِهم منهم وارِثٌ، وعادتْ كما كانت قبلَ سُكْناهم فيها، لا مالكَ لها إلا اللهُ الذي له
(١) ينظر ما تقدم في ٢/ ٥٧٩، ٥٨٠. (٢) في م: "أشر". (٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٩٩٦ من طريق أصبغ عن ابن زيد.