ويعني بقولِه: ﴿مِنَ التَّعَفُّفِ﴾: من تَرِك مسألةِ الناسِ، وهو "التفعُّلُ" من العفَّةِ عن الشيءِ، والعفَّةُ عن الشيءِ تركُه، كما قال رُؤْبةُ (١):
فعَفَّ عن أسرارِها بعدَ العسَقْ (٢)
يعنى: ترَك (٣) وتجنَّب.
القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾.
يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: تعرِفُهم يا محمدُ ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾، يعْني: بعلامتِهم وآثارِهم، من قولِ اللَّهِ ﷿: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩]. وهذه لغةُ قريشٍ، ومِن العربِ مَن يقولُ: بسيمائِهم. فيمُدُّها، وأمَّا ثَقيفٌ وبعضُ أَسَدٍ فإنهم يقولون: بسيميائِهم، ومن ذلك قولُ الشاعرِ (٤).
غُلامٌ رمَاه اللهُ بالحُسْنِ يافعًا … له سِيمِياءٌ لا تَشُقُّ على البَصَرُ
وقد اختَلَف أهلُ التأويلِ في السِّيما التي أَخْبر اللَّهُ جَلَّ ثناؤُه أَنَّها لهؤلاءِ الفقراءِ الذين وصَف (٥) صفتَهم، وأنهم يُعرَفون بها؛ فقال بعضُهم: هو التخشُّعُ والتواضعُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ،
(١) تقدم البيت في ٤/ ٢٧٩. (٢) في ص، م: "الغسق"، وفي ت ٢: "العشق". (٣) في ص، م، ت ٢، "برئ"، وفي ت ١: "يروى". (٤) هو ابن عنقاء الفزاري، والبيت في الكامل ١/ ٢٢، وأمالي القالى ١/ ٢٣٧، والمؤتلف والمختلف للآمدى ص ٢٣٨، والأغانى ١٩/ ٢٠٨. (٥) في ص، م، ت ٢: "وصفت".