حدَّثنا محمدٌ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ في قولِه: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾. يقولُ: بُيِّنت آياتُه، أأعجميٌّ وعربيٌّ، نحن قومٌ عربٌ ما لنا وللعُجْمةِ؟
وقد خالف هذا القولَ الذي ذكَرْناه عن هؤلاء آخرون، فقالوا: معنى ذلك: ﴿لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾؛ بعضُها عربيٌّ، وبعضُها عجميٌّ. وهذا التأويلُ على تأويلِ مَن قرَأ:(أَعْجَمِيٌّ). بتركِ الاستفهامِ فيه (١)، وجعَله خبرًا من اللَّهِ تعالى عن قيلِ المشرِكين ذلك، يَعْنى: هلَّا فصِّلت آياتُه؛ منها عجميٌّ تَعْرِفُه العجمُ، ومنها عربيٌّ تَفْقَهُه العربُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال: قالت قريشٌ: لولا أُنزِل هذا القرآنُ أعجميًّا وعربيًّا. فأنزَل اللَّهُ:(وقَالوا لولا فُصِّلَتْ آيَاتُه أعْجَميٌّ وعربيٌّ قل هو للذين آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ). فأنزَل اللَّهُ بعدَ هذه الآيةِ كُلَّ لسانٍ، فيه: هو ﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢]. قال: فارسيةٌ أُعرِبت: سنكَك وكَل (٢).
وقرَأت قرأةُ الأمصارِ: ﴿أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾. على وجهِ الاستفهامِ، وذُكِر عن الحسنِ البصريِّ أنه قرَأ ذلك:(أَعْجَميٌّ). بهمزةٍ واحدةٍ (٣)، على غيرِ مذهبِ
(١) سيأتي قريبًا بيان من قرأ بهذه القراءة. (٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٦٧ إلى المصنف وعبد بن حميد، وتقدم في ١٢/ ٥٢٦ وينظر ما تقدم من كلام المصنف عن وجود أحرف غير عربية في القرآن في ١/ ١٤ - ٢٠. (٣) هي قراءة الحسن وأبى الأسود والجحدرى وسلام والضحاك، ورواية قنبل وهشام ورويس باختلاف عنهم. ينظر المحتسب ٢/ ٢٤٧، والنشر ١/ ٢٨٥.