حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾. يقولُ: أعمالُهم في كتابٍ عندَ اللَّهِ في السماءِ (١).
والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يقالَ: إن اللَّهَ تعالى ذكرُه أخبَر أن كتابَ الأبرارِ لفى عِلِّيين. والعِلِّيون جمعٌ، معناه: شيءٌ فوقَ شيءٍ، وعلوٌّ فوقَ علوٍّ، وارتفاعٌ بعدَ ارتفاعٍ؛ فلذلك جُمِعت بالياءِ والنونِ كجمعِ الرجالِ إذا لم يكنْ له بناءٌ من واحدِه واثنَيهِ، كما حُكِى عن بعضِ العربِ سماعًا: أَطْعَمَنا مَرَقَةَ مَرَقين. يعنى اللحمَ المطبوخَ، كما قال الشاعرُ (٢):
قد رَوِيَتْ إِلا الدُّهَيْدِهِينا (٣)
قُلَيِّصاتٍ (٤) وأُبَيْكرِينا (٥)
فقال: وأُبيكِرِينا. فجمَعها بالنونِ إذ لم يقصدْ عددًا معلومًا من البكارةِ، بل أراد عددًا لا يُحدُّ آخرُه، وكما قال الآخرُ (٦):
فأصبَحت المذاهبُ قد أذاعت … بها الإعصارُ بعدَ الوابلينا
(١) ذكره القرطبي في تفسيره (١٩/ ٢٦٢)، وابن كثير في تفسيره (٨/ ٣٧٤) عن العوفى به. (٢) الرجز في الكتاب لسيبويه (٣/ ٤٩٤)، واللسان (ب ك ر، دهده، ى م ن، ع ل و). (٣) الدهيديهينا: صغار الإبل، وحذفت الياء للضرورة. اللسان (دهده). (٤) القليِّصات: جمع تصغير القلوص: وهى الفتية من الإبل بمنزلة الجارية الفتاة من النساء. اللسان (ق ل ص). (٥) الأبيكرين: جمع تصغير البَكر: وهو الفتى من الإبل. ينظر اللسان (ب ك ر). (٦) البيت في اللسان (و ب ل، ع ل و).