وإن شئتَ جَعَلْتَ "أن" في موضعِ نصبٍ ردًّا على "ما" وبيانًا عنها، ويكونُ في قولِه: ﴿تُشْرِكُوا﴾. أيضًا مِن وجهَيِ الإعرابِ على (١) نحوِ ما كان فيه منه و "أن" في موضعِ رفعٍ.
ويكونُ تأويلُ الكلامِ حينَئذٍ: قلْ تعالوا أتْلُ ما حرَّم ربُّكم عليكم؛ أتلُ (٢) ألا تُشْرِكوا به شيئًا.
فإن قال قائلٌ: وكيف يَجوزُ أن يكونَ قولُه: ﴿تُشْرِكُوا﴾. نصبًا بـ ﴿أَلَّا﴾، أم كيف يَجوزُ توجيهُ قولِه: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ﴾. على معنى الخبرِ، وقد عطَف عليه بقولِه: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾. وما بعدَ ذلك مِن جزمِ النهي؟
قيل: جاز ذلك كما قال تعالى ذكرُه: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾. فجعَل ﴿أَنْ أَكُونَ﴾ خبرًا، و ﴿أَنْ﴾ اسمًا، ثم عطَف عليه [﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾](٣). وكما قال الشاعرُ (٤):
حَجَّ وأَوْصَى بِسُلَيْمَى الأَعْبُدَا
ألا تَرَى ولا تُكَلِّمْ أحَدًا
ولا يَزَلْ شَرابُها مُبَرَّدَا (٥)
فجعَل قولَه: ألَّا تَرَى. خبرًا، ثم عطَف بالنهي، فقال: ولا تُكَلِّمْ، ولا يَزَلْ.