ولذلك مِن شأنِه (١) لم يَسْجُدْ لك، وخالف أمرى في ذلك وعصانى، فلا تُطيعاه فيما يَأْمُرُكما به، فيُخْرِجَكما - بمعصيتكما ربَّكما، وطاعتكما له - من الجنة، ﴿فَتَشْقَى﴾. يقولُ: فيكون عيشُك مِن كَدِّ يدك. فذلك شقاؤُه الذي حذَّره ربُّه.
كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال: أُهْبِط إلى آدمَ ثَوْرٌ أَحمرُ، فكان يَحْرُثُ عليه، ويَمْسَحُ العرقَ من جبينه (٢)، فهو الذي قال الله ﷿: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ فكان ذلك شقاؤه (٣).
وقال تعالى ذكره: ﴿فَتَشْقَى﴾. ولم يقل: فتَشْقيا. وقد قال: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا﴾. لأن ابتداء الخطابِ مِن اللَّهِ ﷿ كان لآدم ﵇، فكان في إعلامه العقوبة - على معصيته إياه فيما نهاه عنه من أكل الشجرة - الكفايةُ من ذكر المرأة، إذ كان معلومًا أن حكمها في ذلك حكمه، كما قال: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق: ١٧]. اجتزاءً (٤) بمعرفة السامعين معناه من ذكر (٥) فعل صاحبه.
القول في تأويل قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا
(١) في م: "شنآنه". (٢) في م: "جنينه". (٣) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ١٣٠، وأبو نعيم في الحلية ٤/ ٢٨٢، وابن عساكر في تاريخه ٧/ ٤١٢ من طريق ابن حميد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٣١٠ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. (٤) في م: "اجترئ". (٥) بعده في م: "من".