حدَّثني محمدُ بنُ عبيدٍ، قال: ثنا موسى بنُ عميرٍ (١)، عن أبي صالحٍ، عن ابن عباسٍ في قولِه: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾. قال: من المخلوقين (٢).
واختلَف أهلُ المعرفةِ بكلامِ العربِ في معنى معنى ذلك؛ فكان بعضُ أهل البصرةِ (٣) يقولُ: كلُّ مَنْ أكَل مِن إنسٍ أو دابةٍ فهو مسحَّرٌ؛ وذلك لأنَّ له سَحْرًا يَقْرِى (٤) ما أكَل فيه. واستَشهد على ذلك بقولِ لَبيدٍ (٥):
وقال بعضُ نحويِّي الكوفيين (٦) نحوَ هذا، غيرَ أنه قال: أُخِذ من قولِك: انْتَفَخ سَحْرُك. أي: إِنَّك تأكلُ الطعامَ والشرابَ، فتُسَحَّرُ به وتُعَلَّلُ. وقال: معنى قولِ لبيدٍ: مِن هذا الأنامِ المسحَّرِ: من هذا الأنامِ المعلَّلِ المخدوعِ. قال: ويُروى أن السَّحْرَ (٧) من ذلك؛ لأنه كالخديعةِ.
والصوابُ من القولِ في ذلك عندى القولُ الذي ذكرتهُ عن ابن عباسٍ؛ أن معناه: إنما أنتَ من المخلوقين الذين يُعلَّلون بالطعامِ والشرابِ مثلَنا، ولستَ ربًّا ولا
(١) في ص، ت ٢، ف: "عمر"، وفى م: "عمرو "وفى ت ١، ت ٣: "عمران". والمثبت من مصادر التخريج، وينظر تهذيب الكمال ٤/ ٦. (٢) أخرجه الخطيب في تاريخه ١٠/ ٤٢٣، وابن عساكر في تاريخه ٢٣/ ٧١ من طريق موسى بن عمير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٩٢ إلى عبد بن حميد وابن المنذر. (٣) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ٨٩، وينظر ما تقدم في ١٤/ ٦١٢، ٦١٣. (٤) أي: يجمع. (٥) تقدم هذا البيت في ١٤/ ٦١٢. (٦) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ٢٨٢. (٧) في ص، ت ١، ت ٢: "الساحر".